ان اكثر ما يثير الدهشة والاستغراب ذلك التناقض السافر والتشويه ، والزيف في الحقائق الذي تمارسه اسرائيل وتدعيه امام الراي العام العالمي، لدرجة اصبحنا نتساءل عن اي سلام هم يتكلمون؟! ام نحن الذين بتنا لا نفقه كلامهم ؟
فالاسرائيليون كانوا ومازالوا يتلاعبون بعقولنا وعقول المجتمع الدولي ، ومصرون على فتح باب الصراع مجدداً واعادتنا الى نقطة البداية ،فغطرسة الاحتلال وتضييق الخناق على الشعب الفلسطيني من خلال ممارسة نهب الاراضي الفلسطينية وبناء المستوطنات بدلاً منها بات يهدد بالقضاء على ما تبقى لنا من وطن وعلى حل الدولة الفلسطينية ، فبعدما كان الحديث يدور مؤخرا على اعتبار عام 2007م ، عام اعلان للدولة الفلسطينية تفاجأ الفلسطينيون على ارض الواقع بصدور مشروع جديد يهدف الى شرعنة الاستيطان الذي ينذر بنكبة جديدة للفلسطينيين شبيهة بنكبة عام 1948، ويهدد الآلاف منهم بالتهجير والتشريد من مدنهم وقراهم مرة اخرى ، بعد ان انهكهم وأثقل كاهلهم ماعانوه من تطهير عرقي وتهجير واضطهاد لا حدود له جراء تلك النكبة ، فقد اصبح الفلسطينيون يتأرجحون بين السراب والحقيقة ،ذلك السراب الذي يحاول الفلسطينيون من خلاله اقناع انفسهم بوجود طريق لحل صراعهم التاريخي مع الاسرائيليين من خلال تلويح المجتمع الدولي برؤية نهائية لهذا الصراع من خلال حل ديمقراطي عادل لقضيتهم قائم على اساس المساواة ويساهم في ارضاء جميع الاطراف المتنازعة ،وبين الحقيقة الصادمة على ارض الواقع والتي تهدد مصيرهم وتسلب حقوقهم المشروعة وتغلق امامهم كافة الطرقات وتعلن اعلاناً صارخاً بتصفية قضيتهم ، حتى بات الفلسطينيون على مفترق طرق مصيري مغلق فمن جهة يواجهون الافتقار الاقتصادي والانقسام الداخلي ، ومن جهة اخرى يواجهون خطر الاستيطان ومصادرة اراضيهم الذي عززه البرلمان الاسرائيلي من خلال تصويته على قانون التسوية الاسرائيلية ، والذي يسمح بمصادرة الاراضي الفلسطينية وبناء المستوطنات بدلاً منها ويلغي امكانية مطالبة اصحاب تلك الاراضي لاراضيهم المصادرة ،فمن خلال هذا القانون الذي اطلق عليه الجانب الاسرائيلي بقانون " تسوية الاوضاع" ، يعمل الاحتلال من خلاله على انتزاع اراضي مملوكة للفلسطينيين بأثر رجعي ويسمح باضفاء الشرعية بأثر رجعي على تلك الاراضي في اكثر من خمسون مستوطنة وانقاذ بؤر استيطانية غير قانونية ، حيث يعتبر هذا القانون من أخطر القوانين التي تجرأ الاحتلال الاسرائيلي على اصدارها منذ عام 1967، وخصوصاً بعد وصول الرئيس الامريكي دونالد ترامب الى سدة الحكم ، والذي منح الاحتلال الفرصة الذهبية من خلال دعمه وتأييده لهذا الكيان مادياً ومعنوياً وبلا حدود فلطالما انتظر الاسرائيليون بفارغ الصبر ذلك الرئيس الذي اتاح لهم بناء المستوطنات دون رقيب ولا حسيب ودون ان يقف احد عائقاً امامها ، و تهديد من يقف في وجه سياستها التي تهدد بابتلاع المزيد والمزيد من الاراضي الفلسطينية ، بل انها تهدد امن وسلامة المنطقة برمتها ، وكيف لا وهو الذي وصفته بعض الصحف الامريكية بأنه الرئيس الاكثر عنصرية ، وظلماً للفقراء ، وهو الذي يدوس على القيم ويهين الناس .
فاستخفافه بالحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني من خلال خطابه الذي كان بمثابة صب الزيت على النار ، والذي ساهم باشعالها من جديد حيث اتسم هذا الخطاب ببعده عن اي محاولة للتهدئة او تعزيز عملية السلام ، التي كانت الادارة الامريكية السابقة تضعها على اولويات جدول اعمالها، فبتنا نرى ان مفتاح التحرك الامريكي في يد متطرف امريكي تديره احزاب اسرائيلية قومية دينية عنصرية متطرفة ، فهذا القانون يعتبر بمثابة صفعة قوية في وجه المجتمع الدولي الذي اصبح عاجزاً عن محاسبة اسرائيل على جرائمها ويمارس سياسة غض الطرف اتجاه تلك الممارسات ، والتي تعتبر بمثابة جرائم حرب وفقاً لمبادئ حقوق الانسان وقرارات محكمة لاهاي الدولية ، وتحدي سافر لجميع الاتفاقيات الدولية وقرارات مجلس الأمن ، والجمعية العامة للأمم المتحدة التي اعترفت بالدولة الفلسطينية بحدودها عام 1967.
فماذا تبقى لنا بعد ان فقدنا مستوى سقف مسؤولياتنا وانهكنا الانقسام الذي اثقل كاهلنا واضعف معنوياتنا ، وافقدنا البوصلة التي توجه مسيرتنا السياسية المستقبلية ، فعن اي طريق نبحث وفي اي اتجاه نسير وقد اغلقت في وجهنا كافة الطرقات !!!!