الاخبار السياسية - زاد في الأيام القليلة الماضية الحديث عن خيارات حركة حماس للرد على خطوات السلطة والرئاسة الفلسطينية "غير المسبوقة" تجاه قطاع غزة، حتى وصل الحال ببعض المحللين والمختصين إلى التوقّع بإمكانية لجوء حماس لإجراء مفاوضات لم يحدد مسارها "مباشرة أو غير مباشرة" حول الوضع الراهن في القطاع، بعد أن تصل الأمور إلى مرحلة الصفر.
التحليلات الجارية عن ضرورة إجراء المفاوضات لم تأتِ من فراغ، بل بعد انتهاء المهلة التي حددتها اللجنة المركزية لحركة فتح إلى حماس لتسليم مقاليد حكم غزة للحكومة، وبعد ارتفاع حدة التراشق الإعلامي بين الطرفين، وتراكم الأزمات في القطاع، بدءاً من خصم الرواتب، مروراً بأزمة الكهرباء، وليس انتهاء بأزمات اقتصادية جمة ستأتي في الطريق.

الأصوات المنادية بضرورة التفاوض مع الاحتلال، على اعتبار أن حماس لها الأولوية بأحقية في طرح مطالبها وقيادة حواراتها مع المحتل بشكل مباشر، مستحضرين تجربة الزعيم الليبي عمر المختار مع المحتل الإيطالي، فضلاً عن ثوار فيتنام الذين فاوضوا الأمريكيين في فرنسا.

فما هي حقيقة هذه المفاوضات؟ وهل تقبل حماس بأن تكون مباشرة؟ وما طبيعة رؤيتها للتفاوض مع الاحتلال، والأسس التي تبني عليها؟ وهل تبقى حماس حركة مقاومة في حال لجأت إليها؟

لا يوجد ما يمنع
الكاتب والمحلل السياسي حسام الدجني، أكد أنه لا يوجد ما يمنع حماس من فعل ذلك، سواء أكانت موانع شرعية أو وطنية، مبيناً أن أغلب تجارب التاريخ فاوض الثوار الاحتلال، مثل عمر المختار.

وقال الدجني: "ولكن إسرائيل لن توافق على مفاوضة حماس وهي تبني بنيتها العسكرية، وتعمل على تحرير فلسطين، وتعرقل المشروع الإسرائيلي لبناء شرق أوسط جديد".

وأضاف "وإن وافقت إسرائيل على هذه المفاوضات فستكون فقط لالتقاط الصور والذهاب بها نحو الشعوب والدول العربية والأفريقية والإسلامية للتطبيع، ولذلك أعتقد أن التفاوض غير المباشر أقل تكلفة لحماس، ولكن على أن تحسن اختيار الوسيط".

وكان نائب رئيس المكتب السياسي للحركة، موسى أبو مرزوق ألمح قبل عامين من الآن إلى إمكانية حدوث تغيير في وجهة نظر حماس تجاه هذه القضية، والتي قد تضطر إلى خوض مفاوضات مباشرة مع إسرائيل، بضغط شعبي حال استمر الوضع في قطاع غزة على ما هو عليه من حصار خانق.

إلا أن الحركة سارعت وقتها إلى إصدار بيان لتوضيح موقفها حيال تصريحات "أبو مرزوق"، حيث قالت: "إن المفاوضات المباشرة مع إسرائيل ليست ضمن سياسة الحركة، وليست مطروحة في مداولاتها الداخلية، وهذه السياسة المعتمدة في حماس".

تدخل خارجي
بدوره، يرى الكاتب والمحلل السياسي إبراهيم المدهون أن المفاوضات المباشرة أو غير المباشرة هي إحدى الخيارات الماثلة أمام حركة حماس ضمن خيارات أخرى.

وقال المدهون: "هناك ثلاثة خيارات أمام حماس في ظل الوضع الذي يعيشه القطاع، فإما أن تواجه إسرائيل وهذا الخيار يحاول الجميع تلاشيه ولكن إن وقع فسيكون الأقسى، أو أن تسلّم سلاحها وتسرّح الموظفين الذين عينتهم وهذا أمر مستبعد نظرا لأنه سيؤدي إلى فوضى كبيرة".

وأضاف "ليس عيباً أن يتم التفاوض مع الاحتلال مباشرة في ظل تأزم الموقف، ويمكن عبر وسيط كمصر أو تركيا وقطر، فبعد تنكب السلطة عن مسؤولياتها، هناك من يراه أفضل حالاً من المواجهة العسكرية".

غير أنه وبالعودة إلى التاريخ قليلاً، فإنه أثبت أنه على الرغم المرونة السياسية التي تظهرها في بعض الأحيان حركة حماس كطرح الشيخ الشهيد أحمد ياسين هدنة لعشر سنوات عام 1998، فإن ذلك لم يغير من خطابها تجاه إسرائيل رغم مرور 19 عاماً على هذا الطرح.

وأكد، رئيس المكتب السياسي للحركة خالد مشعل في تصريحات سابقة، أن خيار المفاوضات مع إسرائيل في الوقت الحالي "خيار خاطئ"، وأن حماس رفضت التفاوض بشكل مباشر مع إسرائيل، وعروضاً أخرى بالجلوس مع قيادات رسمية إسرائيلية، وشخصيات محسوبة على معسكر السلام.

ويعلل مشعل ذلك بأن موازين القوى الحالية لا تخدم القضية، بل تصب في خدمة العدو الذي يرفض الانسحاب من الأرض والاعتراف بالحقوق الفلسطينية، ومن ثم فالتفاوض معه في هذه الحالة "عبث ومقامرة".

وأشار إلى أن "التفاوض مع العدو امتداد وإدارة للحرب بطريقة أخرى، وأن الوضع على الأرض يحدد نتائج أي تسوية، لأن السلام يصنعه الأقوياء"، لذلك فهو غير مرفوض شرعا أو عقلاً، لكنه أداة تفرضها تكتيكات إدارة الصراع، ضمن رؤية وقواعد وضوابط تحكم التفاوض مع الأعداء.

أمر مستبعد
من جهته، استبعد الكاتب والمحلل السياسي مصطفى الصواف لجوء حماس إلى مفاوضات مباشرة مع إسرائيل لتفادي تفاقم الأزمات في قطاع غزة.

وأكد الصواف: أن حماس لم تقدم على هذه الخطوة سابقاً- المفاوضات المباشرة- بينما لجأت للمفاوضات غير المباشرة في إتمام صفقة تبادل الأسرى.

وتجدر الإشارة إلى أن حركة حماس لا تنظر للمفاوضات مع إسرائيل مخرجاً لحل الصراع واستعادة الحقوق، بل تعتبر المقاومة بكافة أشكالها هي من تحقق ذلك، لكنها في الوقت نفسه ليس لديها مشكلة في تدخل طرف آخر كوسيط لتحقيق مطالبها مثلما حدث في قضايا الأسرى تحديداً.

لذلك، فإن إمكانية خوضها مفاوضات مباشرة مع إسرائيل قد يعتبرها البعض نضجاً سياسياً، وفي المقابل قد تهاجم بشدة من آخرين يعتبرون أن المفاوضات هي شأن الرئيس عباس وخيار منظمة التحرير.

كما أن هناك قناعة لدى إسرائيل بأن حماس لم تغير من نهجها في التعبئة الجماهيرية ضدها، فالمنهج التربوي لحماس لم يطرأ عليه أي اختلاف منذ تأسيسها، كما أن شعاراتها بقيت ثابتة، والبعد العقائدي للصراع من أهم مرتكزاتها التربوية.
 
أعلى